لبنان: هل من برنامج لتشجيع الجالية السورية على العودة؟

هرب مئات الآلاف من السوريين الى لبنان حيث باتوا يشكلون ثلث السكان كما يشكلون عبئا اجتماعيا واقتصاديا وامنيا لا قدرة للبنان وللبنانيين على تحمله. انما في لبنان التاريخ يعيد نفسه والاخطاء التاريخية تتكرر ولا من يرتدع ولا من يتعلم. كنا قد نبهنا في تحليل سابق الى خطورة الوقوع في فخ ما سميناه بالاقتصاد الموازي الذي وان عوض البعض من خسائر لبنان الاقتصادية انما يدفع بنا سياسيا واجتماعيا الى الانتحار (لبنان: هجرة السوريين وخطر الاقتصاد الموازي). كما نبهنا في تحليل آخر الى ضرورة تحصين وضع العامل اللبناني وهو الحلقة الاضعف في التركيبة الاجتماعية، ووضع حد لهجمة العمالة السورية ذات الكلفة المتدنية (لبنان: هجرة السوريين: الحل بالتوطين؟).

لكن ضعف الارادة الوطنية وضعف الحس بالمواطنية وبالوطنية لدى الكثير من اللبنانيين، عدا الحسابات السياسية الضيقة والاكتفاء ايضا بمقاربة تكتيكية صغيرة للأمور المصيرية لدى الطبقة السياسية القائمة، كلها عوامل تذكرنا بحقبتين حرجتين من تاريخنا الحديث: حقبة الالتفاف الطائفي والعقائدي حول منظمة التحرير الفلسطينية، وكان ذلك على حساب لبنان الذي دمرته التجاذبات حول الوجود الفلسطيني، وحقبة الخضوع للاحتلال العسكري السوري ونتائجه المدمرة ايضا. واليوم التاريخ يعيد نفسه: مع التجاذب حول الوجود السوري الكثيف في لبنان مع الاستعانة بالعبارة الشهيرة والمشؤومة التي فرضت على اللبنانيين وبفضل القوى الاقليمية الفاعلة والدول الصديقة نفسها الا وهي “الوجود الشرعي والضروري والموقت”. لكن الجيش السوري خرج من لبنان بفضل نضال ووعي اللبنانيين ورفع الغطاء الخارجي الاقليمي والدولي عن هذا الوجود. وبقي الارث الثقيل الذي يتخبط به اللبنانيون من اهتراء للدولة ومن ضعف للمؤسسات ومن دستور مربك. لكن الجيش السوري غادر. وهذا انجاز وطني لبناني يضاف الى انجاز تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي.

لكن ماذا عن النزوح السوري اليوم؟ وماذا عن المخاطر الامنية (جبهة النصرة، داعش، الجيش السوري الحر، عصابات منظمة الخ) والاجتماعية (عمالة الاطفال، زواج القاصرات، منافسة اليد العاملة اللبنانية الخ) والاقتصادية (تحول بعض القطاعات وبعض المناطق الى اقتصاد ريعي بفضل النزوح، ضرب المعطيات الاقتصادية الاساسية الخ) والسياسية (الاصطفاف المذهبي والسياسي والمناطقي، تحويل النازحين الى ورقة ضغط باتجاهات مختلفة الخ)؟ كما في السابق، تشجعنا الدول الصديقة والشقيقة على الخضوع لهذا الواقع : فمنها من تقدم البرامج (المحدودة جدا بالنسبة للحاجات الهائلة) من اجل تحسين اوضاع النازحين الآتين الى لبنان بمئات الآلاف على ان تحتضن تلك الدول الحنونة بضعة مئات من النازحين، ومنها من تشتري ابقاء النازحين في لبنان في الوقت الذي تسعى تلك الدول (الخليجية خصوصا) الى طرد عمالتها الاجنبية دفاعا عن مواطنيها…

ان اخراج الجيوش الاجنبية، من خلال المقاومة المسلحة و/او من خلال الديبلوماسية والسياسة، هو شيء بمتناول يد اللبنانيين : فجيش الاحتلال الاسرائيلي هزم وانسحب وجيش الوصاية السوري سحب. وحتى جيش ابي عمار اخرج رسميا… ما بقي للبنانيين هو الخراب واللاجئين. اعادة الاعمار ممكنة كما اعادة بناء الدولة والمؤسسات اذا حسنت النيات. لكن اللاجئين يبقون. من الصراع العربي الاسرائيلي ورث لبنان مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين المظلومين في غربتهم. ومن الوصاية السورية ورثنا تجنيس عشرات الآلاف من من كانوا داعمين للنظام السوري وهم اليوم يتضاعفون بفعل خصوصياتهم العشائرية والعائلية الخ… ومن العنف السوري الحالي وبفضل التساهل والتواطؤ المحلي والخارجي، يرث لبنان ما يقارب المليوني لاجئ… التاريخ لا يشجع على التفاؤل. فما العمل إذا اراد اللبناني ان يعطي الاولوية لوطنه ولمواطنيه ولاستقراره ولمستقبله؟ لن تستطيع الحكومات القادمة من الهروب كثيرا من معالجة الملف الشائك هذا. الاجدى في ان يضاف الملف الى جدول اعمال طاولة الحوار على انه بند اولوي. والا فعلى الطائف وعلى الاستراتيجية الدفاعية السلام.

Scroll to Top