قطاع النفط والغاز الناشئ في لبنان: مقابلة مع وزير الطاقة والمياه أرتور نظريان

[hr]

This interview is also available in English.

أصدر وزير الطاقة والمياه أرتيور نظريان، قراراً بتاريخ ٨ آب ٢٠١٤ أعلن بموجبه عن تأجيل مهلة تقديم طلبات المزايدة من قبل الشركات المؤهلة مسبقاً في دورة التراخيص الأولى للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية اللبنانية والتي تنتهي في ١٤ آب ٢٠١٤ إلى مهلة ستة أشهر كحد أقصى من تاريخ إقرار مرسومي تقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية إلى مناطق على شكل بلوكات، ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية اللبنانية، ونموذج اتفاقية الاستكشاف والإنتاج من قبل مجلس الوزراء. وقد أدّى الفراغ الحكومي المتكرّر إلى عرقلة إقرار المرسومين (استمرّت حكومة تصريف الأعمال لمدّة سنة من آذار 2013 ولغاية شباط 2014 ويسود الفراغ الرئاسي منذ 25 أيّار 2014). ولكن بالرغم من خطورة المرحلة والظروف المعاكسة، لا يمكن حجب أهمية الثروة النفطية الواعدة التي يملكها لبنان.

 في مقابلة أجرتها Middle East Strategic Perspectives مع وزير الطاقة والمياه أرتيور نظريان، أفادها بآخر المستجدّات والتطوُّرات في قطاع البترول بما في ذلك المناقصات المتعلّقة باستيراد الوحدة العائمة لتخزين وتغويز الغاز الطبيعي السائل. شرح الوزير نظريان الميزات التي يمنحها لبنان للمستثمرين الأجانب وعرض تحليله بخصوص قطاع البترول في لبنان ومكانته على الخارطة النفطية للشرق الأوسط. كما تناول، بصفته وزيراً للطاقة وصناعياً، أبرز الانعكاسات التي سيتركها استغلال الموارد البترولية في المياه البحرية على الاقتصاد ودعا مجتمع الأعمال إلى المشاركة الفعّالة في تطوير قطاع البترول من خلال بناء القدرات واغتنام الفرص التي تقدّمها اتفاقية الاستكشاف والإنتاج حيث يقع على عاتق أصحاب الحقوق موجب الالتزام بالمكوّن المحلّي الذي يقوم على منح الأفضلية للمنتجات والخدمات المحلية. وقد لمسنا لدى الوزير نظريان، خلال المقابلة، بعض التفاؤل المتّسم بالواقعية، وهو أمر محبّذ في ظلّ الظروف الراهنة.


أعلن لبنان تأجيلاً آخراً لدورة التراخيص الأولى. هل تعتقد أنّ هذا التأجيل وحالة اللاستقرار السياسي المهيمنة سيؤثّران على اهتمام الشركات الأجنبية باستغلال الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية؟

عبّرت شركات النفط العالمية عن اهتمامها بالاستثمار في المياه البحرية اللبنانية من خلال التأهيل المسبق الذي جرى في العام 2013. وتتّخذ هذه الشركات قرارها بالاستثمار في بلد معيّن بالاستناد إلى مجموعة عوامل يتمّ تقييمها على مستوى كلّ من البلد المضيف والشركة. فعلى مستوى البلد المضيف، تشمل هذه العوامل على سبيل المثال وليس الحصر: احتمال وجود الموارد الهيدروكربونية، التقييم الجيولوجي، الإمكانيات التقنية والتحدّيات، التشريعات البترولية، الأنظمة الضريبية، القوانين المحلية والتشريعات المتعلّقة بالاستثمارات الأجنبية، حوكمة قطاع البترول وإدارته، الثقة بالنظامين المالي والقضائي واستقرارهما، الوضع السياسي، الأمن المحلّي والإقليمي.

وتتوفّر جميع العوامل المذكورة آنفاً في لبنان ما عدا عاملين: الأوّل يتعلّق بعدم الاستقرار الأمني والثاني يتمثّل بعدم إنجاز دورة التراخيص الأولى الموافق عليها من قبل مجلس الوزراء في موعدها المحدّد وفقاً للجدول الزمني المعدّ لها.  وتؤثّر هاتان الثغرتان على التخطيط وبرامج الاستثمار التي تضعها شركات النفط العالمية. وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أنّ فرص الاستكشاف متاحة على الصعيدين العالمي والإقليمي، كما أنّ المنافسة بين الدول وكذلك بين الشركات العالمية تزداد شراسةً.

ولا بدّ من التذكير بأنّ الشركات العالمية مهتمّة بالاستثمار في شرق المتوسّط وقد وضعت خططاً طويلة الأمد لاستغلال الموارد الهيدروكربونية المحتملة، وهي ما تزال مهتمّة بالاستثمار في لبنان غير أنّ قرارها النهائي بهذا الخصوص يتوقّف على موعد إجراء دورة التراخيص وفرص الاستثمار التنافسية والوضع السياسي القائم.

وبعد أن قامت شركات النفط العالمية بإعداد دراسة تقويم المخاطر الخاصّة بها آخذةً بالاعتبار الوضع السياسي والأمني في لبنان، تقدّمت بطلبات التأهيل المسبق وقامت بشراء وتحليل بيانات المسوحات الزلزالية و هي حالياً، في صدد التحضير للمشاركة في المزايدة التي ستجري ضمن إطار دورة التراخيص الأولى. وتشكّل هذه الخطوات دليلاً واضحاً على اهتمام الشركات بالاستثمار في لبنان وهو أمر غير مستغرب لأنّها غالباً ما تستثمر في بلدان غير مستقرّة سياسياً وأمنياً.

ولكن، في ظلّ هذه الظروف، ستقوم الشركات، في العروض التي ستقدّمها للمزايدة، باحتساب التكاليف التي قد تتكبّدها نتيجة المخاطر التي ستواجهها وذلك بهدف التعويض عن أي خسائر محتملة. لهذا السبب، من واجب الحكومة العمل على الحدّ من المخاطر التي تؤثّر على استثمارات الشركات لضمان الحصول على العروض الأمثل خلال دورة التراخيص الأولى.

وقد أخذت وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول جميع هذه العوامل بالاعتبار من خلال وضع نظام تشريعي لقطاع البترول وذلك بالتزامن مع وضع استراتيجية ترخيص تضمن الحصول على أفضل العروض.

لقد تأخّر لبنان في إطلاق دورة التراخيص الأولى مقارنةً بالدول المجاورة. فما هي المنافع التي يمكنه أن يقدّمها للمستثمرين ليكرّس موقعه على خارطة النفط والغاز في المنطقة ويجذب الاستثمارات الأجنبية؟

صحيح أنّ لبنان قد تأخّر في مباشرة أنشطة الاستكشاف والإنتاج لكنّه عوّض عن هذا التأخير باتخاذ خطوتين أساسيتين: الأولى كانت القيام بالمسوحات الزلزالية الثنائية الأبعاد التي شملت نسبة 100% من المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة االبنانية والمسوحات الثلاثية الأبعاد التي شملت 70%  من المياه البحرية، وقد تميّزت هذه المسوحات بجودة عالية. وساهم هذا الأمر باختصار الوقت في مرحلة الاستكشاف لأنّه من المتعارف عليه أنّ إجراء هذه المسوحات يستغرق سنتين على الأقلّ.

أمّا الأمر الثاني فيكمن في إمكانية تسهيل تصدير الغاز اللبناني إلى المنطقة بواسطة خطّ الغاز العربي، وإلى أوروبا بواسطة الأنابيب البرية والبحرية وإلى الأسواق الدولية من خلال محطات تسييل الغاز الطبيعي التي يمكن بناؤها في لبنان أو بالاشتراك مع بعض دول المنطقة، أو من خلال استعمال المحطات الموجودة في مصر مثلاً. ويساهم هذا الأمر في تعزيز مكانة لبنان مقارنةً بالدول المجاورة.

ويقتضي التوضيح أنّ عملية الاستكشاف في المياه البحرية وتطوير البنى التحتية اللازمة لمعالجة الغاز ونقله هي مسائل مكلفة تتطلّب رؤوس أموال كبيرة، لكنها لا تشكّل عقبة بحدّ ذاتها لأنّ لبنان يتمتّع بقطاع مصرفي قوي كما أنّ الشركات الخاصة التي تملك سيولة كافية تنوي الاستثمار في قطاع البترول، ممَا سيُحفّز الشركات الأجنبية على الاستثمار في لبنان خاصةً وأنّ الموارد والطاقات المحلية متوفّرة على عكس ما هو الحال في البلدان المجاورة.

بالإضافة إلى ما تقدّم، تجدر الإشارة إلى إنّ القوّة العاملة في لبنان تتميّز بمؤهلات وكفاءة عالية كما أنّ الموارد البشرية الموجودة تخوّل الشركات اختيار المهارات التقنية المطلوبة للمشاركة في تطوير قطاع البترول وتشكّل هذه الأمور عوامل جذب للشركات الأجنبية إذا ما واجهت صعوبات في استقدام اليد العاملة الأجنبية نظراً للوضع الأمني الحرج في لبنان.

يشكّل الوقت عاملاً مهمّاً في السباق بين الدول إلى استغلال الموارد الهيدروكربونية وقد بدأت بعض دول المنطقة (إسرائيل، قبرص، اليونان، كرواتيا، مونتينيغرو…) بعمليات استكشاف أو استغلال مواردها البترولية. فما هي النتائج المترتّبة عن هذه المعطيات على لبنان كونه يطمح أن يصبح بلداً منتجاً للغاز أو ربّما مصدّراً له؟

يشكل الوقت عاملاً أساسياً في الاستحصال على شروط التعاقد الأمثل مع الشركات الأجنبية في ما يتعلّق بأنشطة استكشاف وإنتاج البترول. وبما أنّ حوض شرق المتوسّط هو مصدّر جديد للغاز، فقد بدأ يجذب اهتمام شركات النفط العالمية والدول، وبشكل خاص، دول الاتحاد الأوروبي التي تركّز على ضرورة تنويع مصادر استيراد الغاز ضمن إطار استراتيجيتها الجديدة المتعلّقة بأمن الطاقة. وقد أكّد مؤتمر الطاقة واللقاء الوزاري الذي نظّمته المفوّضية الأوروبية، واستضافته مؤخراً كلّ من مالطا وقبرص، على أهمية منطقة شرق المتوسط، بما فيها لبنان، لأنّ هذه المنطقة ستكون شريكاً استراتيجياً للاتحاد الأوروبي وقد تساهم في تحقيق التنويع الملحوظ في استراتيجية الطاقة. بالإضافة إلى ما تقدّم، فإنّ الطلب على الغاز في دول المنطقة سيشهد تزايداً مستمرّاً بسبب النموّ السكّاني المرتفع، زيادة أنماط الاستهلاك، والسياسات البيئية المستقبلية. كما تُطرح حالياً على بساط البحث إمكانية إنشاء مرجع إقليمي لتسعير الغاز.

بالاستناد إلى ما ذُكر آنفاً، من الممكن أن يلعب لبنان دوراً في تلبية جزء من حاجة السوق الإقليمي نظراً لموقعه الاستراتيجي وإمكانية إنتاج الموارد الهيدروكربونية فيه، وقد يساهم بشكل كبير في تنويع مصادر الغاز، كما يمكن أن يصل إلى السوق العالمي من خلال تصدير الغاز الطبيعي السائل إذا كانت الكميات المكتشفة تسمح بذلك، وهذا الأمر من شأنه أن يفتح آفاقاً وأسواقاً جديدة.

هل يمكنكم إطلاعنا على آخر المستجدّات بخصوص المناقصات المتعلّقة بالوحدة العائمة لتخزين وتغويز الغاز وباستيراد الغاز الطبيعي المسال؟

بالإضافة إلى ذلك، فقد تواصل عدد من مورّدي الغاز الطبيعي السائل مع الوزارة  وأبدوا اهتمامهم بإعلان النوايا الذي أُطلق في كانون الأوّل من العام 2013 ونحن في صدد التفاوض معهم بهذا الشأن.لقد أنجزت وزارة الطاقة والمياه، بمساعدة الاستشاري الدولي Poten & Partners تقويم العروض التقنية والمالية المتعلّقة بإجراء مناقصة الوحدة العائمة لتخزين وتغويز الغاز الطبيعي السائل حيث كانت المنافسة شرسة بين ثلاث شركات عالمية وقد تضمّنت العروض أسعاراً جيّدة جدّأً مقارنةً بأسعار السوق. بعد فضّ العروض، تمّ تحضير التقرير النهائي الذي لحظ اسم العارض الفائز، وأُرسل بتاريخ 19 أيّار 2014، إلى مجلس الوزراء اللبناني للاطلاع والموافقة عليه.

وسينطلق البرنامج المتعلق بإنشاء الوحدة العائمة لتخزين وتغويز الغاز الطبيعي السائل وباستيراد الغاز الطبيعي السائل فور الحصول على الضوء الأخضر من قبل مجلس الوزراء.


بصفتكم وزيراً وصناعياً، برأيكم، كيف سينعكس استغلال الموارد البترولية في المياه البحرية على الاقتصاد؟

ستعود عمليات استكشاف واستغلال الموارد الهيدروكربونية في المياه البحرية بمنافع كبيرة على الاقتصاد الوطني، وذلك بشكل مباشر من خلال خلق فرص عمل ومن خلال الاستثمارات المباشرة التي ستلتزم بالقيام بها شركات النفط العالمية، وبشكل غير مباشر من خلال المساهمة في ازدهار أنشطة الشركات المواكبة لأنشطة القطاع فضلاً عن تطوير الاقتصاد وانعكاساته على الموازنة العامة والسياسات الضريبية.

ويمكن تلخيص النتائج المرجوّة كالتالي:

– خلق آلاف فرص العمل في قطاع النفط والغاز، مثلاً لدى الشركات النفطية التي ستُمنح الرخص بموجب اتفاقية الاستكشاف والإنتاج للعمل كمشغّل.

– خلق عدد أكبر من الوظائف في شركات الخدمات خاصّةً وأنّ الوزارة وهيئة إدارة قطاع البترول قد خصّصتا في اتفاقية الاستكشاف والإنتاج مادة للمكوّن المحلّي حيث يقع على عاتق أصحاب الحقوق موجب الاستعانة باليد العاملة اللبنانية بنسبة 80% من مجموع اليد العاملة، كما يتوجّب إعطاء الأفضلية لمورّدي الخدمات والمتعاقدين الثانويين من اللبنانيين من خلال إعطائهم حافزاً مالياً بنسبة 5% للمنتجات و10% للخدمات.

– استفادة الصناعيين اللبنانيين من فاتورة نفطية أقل كلفة لأن هذه الفاتورة تشكّل عقبة كبيرة بوجه قدرة المنتجات اللبنانية على المنافسة في الأسواق الدولية.

– مساهمة عائدات الأنشطة البترولية في تخفيض الرسوم الجمركية المرتفعة على المواد الخام خاصةً وأنّ هذه الرسوم كانت تشكّل عقبة كبيرة بوجه قدرة المنتجات اللبنانية على المنافسة في الأسواق الدولية.

برأيكم ما هي الخطوات التحضيرية الواجب اتخاذها من قبل القطاع الخاص لتطوير قطاع النفط والغاز؟

إنّ مجتمع الأعمال اللبناني ديناميكي ونشط وقد بدأ باستكشاف فرص العمل في قطاع النفط والغاز. ويكمن هدفنا الأساسي في تعظيم منافع القطاع على الاقتصاد الوطني والشعب اللبناني. وستلعب الاستثمارات دوراً حيوياً في تحفيز القوة العاملة اللبنانية وشركات الخدمات على الانخراط في هذا القطاع. لهذا السبب، وضعت وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول تشريعات صارمة بخصوص المكوّن المحلي وألزمت شركات النفط العالمية بأن تكون نسبة 80% من اليد العاملة لديها من اللبنانيين، على أن يتمّ التوصّل إلى تحقيق هذه النسبة بشكل تدريجي. بالإضافة إلى ذلك، أُعطيت المنتجات المصنّعة في لبنان حافز مالي بنسبة 5% ونسبة 10% للخدمات التي تقدّمها الشركات اللبنانية.

نحن نشجّع القطاع الخاص على المشاركة في تطوير قطاع البترول من خلال فهم جميع الخدمات والمنتجات التي تحتاجها الشركات النفطية في مراحل الاستكشاف، التطوير والإنتاج، بالإضافة إلى بناء القدرات اللازمة لتأمين الخدمات  وتوفير المنتجات المطلوبة مع احترام معايير الجودة وبأسعار تنافسية. وتُعتبر هذه المشاركة ضرورية لضمان استفادة الاقتصاد المحلي من الاستثمارات الأجنبية.

This interview is also available in English.

Scroll to Top