لبنان: هواجس الاقليات وقرار السيطرة


لبنان وليدة الخوف لدى الاقليات. وهذا الخوف حقيقي ومبرر كما يظهره التاريخ ويؤكده الحاضر. لكن الخوف يتمدد ويطال غير المسيحيين. فهل سيسلك الشيعة مثلا الطريق ذاته الذي سبقهم عليه المسيحيون وهل يسبقونهم الى استنساخ النظام السياسي الاجتماعي الذي اعتمده الصهاينة في اسرائيل بحجة حماية اليهود؟

لبنان بشكله الحالي هو نتيجة لخوف المسيحيين على حريتهم التي لم يتقبلها الآخر عبر التاريخ، اكان من خريجي مجتمعات شبه الجزيرة العربية او من اتباع الباب العالي او من غير التوجهات الفقهية والسياسية. هذا الخوف التاريخي والواقعي ترجم مشروعاً وطنياً سيطر عليه المسيحيين الموارنة بفضل امكانات ديمغرافية وثقافية واقتصادية وعسكرية لم تكن متاحة لدى من كان في وضع الاقليات ضمن تركيبة لبنان الكبير. وأتت الضمانات ايضاً من الخارج ومن التحالفات التي نسجها المسيحيون في الغرب.

وإذا اختصرنا التاريخ، يمكننا ان نعتبر ان سنّة لبنان قد فشلوا هم ايضاً كما فشل الموارنة وكانت الضربة القاضية، بعد ان كسبوا المواقع الامامية بفضل فشل المسيحيين وتبدل المعطيات الديمغرافية والمالية والجيوسياسية وبفضل ضمانات الخط السعودي-السوري-الغربي، باستشهاد منسق المشروع السني الكبير رفيق الحريري على خطى الرئيس بشير جميل الذي عول عليه المسيحيون لإعادة احياء مشروعهم الكبير… وجاء زمن الشيعة.

ان وضع الطائفة الشيعية اليوم هو خليط لوضع الموارنة قبل الحرب الاهلية ولوضع السنّة لدى فرض اتفاق الطائف السعودي-السوري. فالطائفة الشيعية تختصر وضع الاقليات الخائفة ووضع الاغلبية المتسلطة. وفي ذلك تناقض مريب.

وهذا التناقض يدفعنا للتساؤل حول ارادة القيادة الشيعية التي تتمتع بقاعدة ملتزمة ولو تبقى خائفة امام صعود التكفير والعنف المذهبي، وبمقدرات ديمغرافية وعسكرية واقتصادية متينة، وبضمانات اقليمية فاعلة، ان تخطو آخر الخطوات المؤدية الى السيطرة التامة على لبنان. هل لدى شيعة لبنان مشروع كبير على طراز مشروع الموارنة المؤسس ومشروع السنّة الظرفي، من اجل تجديد وظيفة لبنان كملجأ للأقليات الخائفة؟

التاريخ علّمنا ان الثوابت نادرة في العلاقات بين الجماعات وان الظروف تتبدل باستمرار على كافة الأصعدة ومنها الجيوسياسية خصوصاً. لذا، من يريد ان يفرض مشروعه السياسي، ويسري ذلك على الجماعات في لبنان، عليه اقتناص الفرص واستغلال الظروف المؤآتية.

لدى الطائفة الشيعية في لبنان ما يكفيها من القوة والوجود والطموح لكي تسعى جدياً للسيطرة الكاملة على البلد وتحصينه على كافة المستويات من اجل فرض الحماية المستدامة للأقليات المذهبية. فهل تفعلها، خصوصاً وان هذا الظرف قد لا يتكرر وقد تتبدل الظروف الاقليمية والداخلية وقد تفقد الطائفة الشيعية من قوتها وقدراتها الذاتية؟

الطائفة الشيعية تسير بهذا الاتجاه من دون اعلان نواياها. فهي المتهمة بالانقلاب على الطائف، تسعى للتغيير الجذري مع المحافظة على المناصفة التي تصب في مصلحتها، وهي ضد المثالثة التي قد تفقدها السيطرة على جزء من الشارع المسيحي… فبذلك قد تكون خففت من المخاطر السياسية مما يسمح لها بمغامرات اخرى قد تمر مرور الكرام:

– التمدد المناطقي والسيطرة على الارض، بما في ذلك على الارض المسيحية في المناطق وعلى الارض السنّية في بيروت وفي قلبها النابض سوليدير…،

– والتمدد الامني والعسكري من الجنوب ارض المقاومة بوجه اسرائيل الى الحدود السورية ارض المواجهة مع الارهاب التكفيري الى كافة المناطق الداخلية مباشرة او عبر وسطاء…،

– ومواجهة النفوذ الغربي والسعودي داخل المؤسسات الفاعلة مثل مؤسسة الجيش التي خسرت برنامج الدعم الفرنسي-السعودي والتي تشهد حملة انتقادات من قبل الممانعين لقبولها هبات اميركية هي بأمسّ الحاجة اليها، في حين يجهد البعض لتفعيل برامج عسكرية ايرانية وروسية لصالح الجيش بما يعني ذلك من تحجيم للنفوذ الغربي في لبنان…،

– والاستهتار بالوضع المصرفي والمالي عموماً بحيث يؤمن البعض ان اضعاف قطاع المال والاعمال بحجة النضال الطبقي سيضعف فقط بعض الخصوم السياسيين وهم من لون مذهبي معين ولهم توجهات جيوسياسية مخالفة لتوجهات هذا البعض.

الابقاء على الطائف يصبح امرا ثانوياً، وهو بالأمر المريح لمن يحمل مشروع سيطرة كاملة على لبنان. فالطائف ينظم العلاقات بين الجماعات ويطمئن الجميع كما يضمن بالمناصفة اقتسام الشارع المسيحي مناصفة بين الشيعة والسنّة اي تحييد المسيحيين سياسياً. فمن يسيطر على الارض وعلى الامن ومن يؤثر مباشرة على الاقتصاد والمال وعلى القرارات المصيرية الكبرى مثل الحرب والسلم، هو من سيرث المارونية السياسية. لقد فشلت بذلك الحريرية السياسية لأسباب متعددة وحان وقت الشيعية السياسية…

Scroll to Top